التخطي إلى المحتوى الرئيسي

 منذُ شهر وأنا أحاول أن أكتب لكم عن أكثر حدث مشوق حدث مؤخرًا في حياتي، عن المفاهيم التي تبدلت، والافكار التي توسعت، والمشاعر التي لا تنضب، والغرباء الذين أصبحوا أصدقاء. ونضالي ويأسي، ولحظة الدهشة الاولى وبَهتانهاوشعور أول سيجارة أمسكتها بين السبابة والوسطى، عن المطر الذي طاح بعد غياب طويل. عن أكواب اللاتية الذي أفلسني. عن سويلم حارس منزل باعشن، وعمر الشاب الصومالي الذي استطعت بمرحي كسر خجلة. وعن أول إكرامية حصلت عليها، وبمفهوم متعارف عليه "بخشيش أو بقشيش" وللبقشيش قصة طريفة دعوني أحدثكم عنها.


كأي موظفة جديدة في بداية عملها، تبدأ حفلة التعارف والحكاوي عن سالف الأيام والزمان، وعن فلان وعلان. حدثوني الزميلات عن أجواء رمضان بالمنطقة التاريخية وتحديدًا في المقهى الذي أعمل. ومن ضمن حديثهم أخبروني عن البقشيش الذي كانوا يجمعونه خلال المهرجانات التي تقام في المنطقة وموسم جدة العام الماضيكنتُ ارى لمعان أعينهم، وسرحان أذهانهم، وأسمع الآه تخرج من صدورهم اشتياقا لتلك الأيام التي تشبه الحلم. أخبروني أنهم كانوا يجمعون من البقشيش ضعف ما يحصلون عليه من راتب. كنت مستنكرة بشدة تقبلهم أخذ البقشيش ولم أكتف بذلك بل عبرت عن شعوري بفجاجة وأخبرتهم أني لن أقبل أي مبلغ يدخل جيبي غير الراتب الذي أحصل عليه نظيرا لعمليلم يأخذوا موقفي بجدية. ضحكت وحدة من الزميلات وهي تقول" افتكرت حنان أول ما جات المقهى كانت تقول والله ما أخذ ولا ريال.. وبالأخير هي أول وحدة مدت يدها تأخذ نصيبها من البخشيش". بعد مرور اسبوعين من هذا الحوار أتى وزير الصناعة والثروة مع عائلته لتناول وجبة العشاء في المكان التاريخي الذي يعيد له أمجاد الماضي، وذكريات الطفولة، ولكي يزرع في وجدان أطفاله هوية أجدادهم حتى لا تذهب في طي النسيانبعد تناول وجبة العشاء الدسمة وقضاء سويعات قليلة لتهضيمه بكأس شاي أخضر منطربًا على أغنية طلال مداح "حبيب لكنه متباهي .. وعلى احبابه امر ناهي..  حرك قلبي .. ودوب قلبي .. مثل السكر في فنجان شاهي" جاء مرافق الوزير منشرح الصدر يخبرنا أن معاليه طائر من شدة السعادة بالمكان والطعام، وشكرنا جميعًا على هيئة مبلغ رمزي مقداره خمسمئة ريال توزع بالتساوي على كل الموظفين والموظفات البالغ عددنا خمسة، وكان نصيبي مع البقشيش مئة ريال عدًا ونقدًا.. وأتت المفاجأة الطريفة إذ أني لم أرفضها بل كنت أول من يمد يده لأخذ نصيبهونعم موقفي من موقف حنان التي حلفت يمين أنها لن تأخذ أي مبلغ فكانت اول من أخذ البقشيش في ذلك الاسبوع كنت أمر بأزمة مالية فانفرجت أزمتي بالبقشيش الذي حصلنا عليه من مرافق الوزير الذي حظى بمعاملة كريمة وأراد أن يشكرنا بمكافاة مالية أكرمنا بها.

قراءة في مجلة القافلة مقالة بعنوان "لماذا ندفع البقشيش؟" تشرح الكاتبة مفهوم الإكرامية وبداية ظهوره، وكيف أن بعض الدول التي يعتمد اقتصادها على السياحة تمثل الاكرامية نسبة لا يستهان بها في ميزانياتها. وبسبب الاكرامية اندلعت الحروب، وثارت الشعوب، وتمرد العمال. أثناء بحثي عن هذه الظاهرة المنتشرة في العالم أجمع بدأت أدرك أن البقشيش "إكرامية" من كرم الاستضافة وحسن المعاملة، وأصبحت أتقبل أخذه وأعبر بصراحة عن فرحي لحصولي عليه مهما زاد أو قل مقداره. ولكن رغم ذلك هناك حالات لا أقبل فيه البقشيش.. وهو المبلغ الذي يأتي من المتعالي والبخيل الذي يريد أن يظهر لنا أنه كريم. والأحمق الذي يبخشش بإحراج. وألطف المبخششين اولئك الذين يبخششون على استحياء، يضعون المبلغ ويرحلون دون التفاته إلى الوراء. والكريم حقًا الذي حين يدفع الحساب يقول " الباقي لكم"

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المرحلة الجامعية, ماذا عنها؟

منذ اللحظة التي طلبت منا استاذة فادية أن نكتب عن مشاعرنا خلال رحلتنا الجامعية وأن أفكر من اين أبدا؟ كيف بمقدور المرء أن يتحدث عن مشاعره! تلك المشاعر التي هي مزيج ما بين متضادات كثيرة- فرح، حزن.. ترقب، تراخٍ- أجد صعوبة في وصف مشاعري عن طريق الكلمات!. كانت مرحلة الجامعة ليست سهلة أبدا. تعثرت كثيرا ثم نهضت بكيت وضحكت, أصبت بخيبات أمل كثيره, صاحبني الشك والايمان, لكن الشك كان له النصيب الأكبر خلال الرحلة.. قبل سنة أخبرتني إحدى الصديقات بأنها ستحتفل بتخرجها بطريقة "ما حصلتش"، وكنت أرى توهج عينها من شدة الحماسة، ياه كم تمنيت لو أن مشاعري تجاه التخرج مشابهه لمشاعرها ولو قليلاً. كان الخوف من مرحلة ما بعد التخرج طاغي، خوف من عدم حصولي على وظيفة، خوف من بقائي في المنزل " وبروزت " الشهادة الجامعية، خوف من مستقبلي المجهول... خوف.. خوف.. خوف! إلى متى! في صيف ١٤٣٩ قررت أن أتغلب على الخوف المتراكم وألا أقف مكتوفة اليد. ومن هنا بدأت رحلة البحث عن خبرات ترفع من احتمالية حصولي على وظيفة بعد التخرج. في شهر رمضان الكريم توظفت موظفة مبيعات في The body shop ، كانت التجرب